يَدُكِ غنيمةُ الغَامضِ في مَجْدِ الصّمت

شارك هذا المقال:

خالد حسين

لماذا الكلمة الشعرية؟

لماذا الكلمة الشعرية؟الشّعرُ كليُّ حيث التجربة تومضُ برمتها في جسده، بأبعادها وأعماقها في كمشةِ كلمات قليلة فحسب كما لو أنَّ الفنَّ عامةً ولاسيما الشّعر لا يرى العالم إلا في هذه الكلية. في الكلمة الشّعرية يبتكرُ العَالم ذاته ويتيح لنا أن نتماسَّ معه في إعلانه وكتمانه، في حضوره واحتجابه. قوّة الشّعر تكمن في هذا الأمر، تكمن في اصطياده للصّمت، الجانب اللامقول من التجربة، العالم، الذات، اللغة، بل هو، بكلماتٍ أُخُرَ، ترجمة للصَّمت، كما يقول جوي بوسكي، للعصي على النطق، الدفع بالصّمت ليتكلّم عن سرّ مكوثه هناك. هكذا نندفع نحو الشِّعر لأنه كثافةُ الجمال التي تقاوم القبح والشّر.

[“في المدينةِ التي تحبُّها: خَطَرَ الحبُّ على قلبي!”]

……….

I

غابةٌ حجريةٌ

طيورُ اللّوعةِ:

القاعةُ بِفُسْحَتِهَا، الصَّمتُ بهسيسهِ والكتابةُ بأمراسِهَا

وأنتِ بسطوةِ الطّغيان في شَفتيكِ،

وأنتِ بابتسامتكِ حيثُ النَّهارُ يُشْرِقُ بِهَدِيْلِهَا…

وأنا هناكَ

كنتُ مَأْخُوْذَاً بلآلىءِ نظراتِكْ…!

II

إنّها مآثرُ المباغتة

أهو عُنُقُكِ الرُّخامُ المردودُ خلفاً صقيلاً يَسْتَدرِجُ العَالمَ إلى لَيْلِ الغِواية؟

بصفائكِ العميقِ كغفوةِ إلهٍ يفتتحُ المكانُ مَفَاتِنَ صَبَاحِهِ، كما لو أنّ الأساطيرَ تؤرّجُ النّهارَ بالطّلاسم.

نحو ضَفَافِ جسدِكِ ــ الكريستال؛ تخاتلُ الأشجارُ، على غير شَأنِهَا، مرايا النّبع!

هنا يَهْجَعُ العَالمُ بين يديكِ: الليلُ، النُّجومُ، وَيْكَأنَّ رموشَكِ تَصُوْنُ الأرضَ، وأنا تجتاحُني المسافاتُ لأَحتفي بهذا النَّبيذِ الإلهيّ برمّتِهِ..

III

هذه السَّنابلُ الممشوقةُ تُوْقِظُ الماءَ من كآبتِه

أَنَاملُكِ الطّويلةُ كآهةٍ عميقةٍ، يَدُكِ الدّاليةُ تَرْفُو جِرَاحَ الفَراغِ بين أصابعي.  

يَدُكِ غنيمةُ الغامضِ في مَجْدِ الصّمت الماثل.

منذ تلك الظهيرة في المدينة الآيلةِ إلى الحبّ،

بالقربِ من تلكَ السّماءِ المتفاقمةِ معزوفةً في مُنْتَهى الزُّرقةِ

عَلى تلكَ الطّاولةِ حيثُ الجدرانُ تستحيلُ إلى نَظَراتٍ مُلبّدة بالصَّبار

إنَّها يدي التي تفترسُ أصابعَكِ

 إنَّها يَدُكِ، لذةُ الوسَنِ في يَديَّ، زنابقُ مَارِقةٌ تَخْطِفُني إلى شَهْقةِ الأبد!  

IV

وردةٌ بِلُغْزِهَا الأَبديِّ

كثافةُ العَالم  

الحمرةُ الفائقةُ للجوريِّ تكادُ تُسْندُ السَّماءَ من زُرْقَتِهَا المهيبة…!

V

تلك الممراتُ التي تقتنصُ أثرَ قدميك، الجدرانُ المطلية باللاڤندر، القهوةُ الصّباحية، الظِّلالُ، … الأشياءُ كلها تنتزعُ ذواتها من الحيادِ بأوراقِهِ الجافّةِ حينما يدفعُ الحبُّ جَمَالَكِ الفائقَ للتفتُّح كإيماءة سرّية. 

آهٍ… من تلك التَّصاريف، الأقاصيص، آهٍ…من تلك الأشجار التي تخطفُكِ منّي…!

شارك هذا المقال: